
موند بريس.
برزت المحاكم الإدارية الابتدائية بكل من الدار البيضاء ومراكش على رأس المدن الأكثر استقبالا لطلبات عزل رؤساء وأعضاء المجالس الترابية، ما يعكس حجم التحديات المرتبطة بالحكامة المحلية والرقابة على تدبير الشأن العام.
ووفق تقرير صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول “دور المحاكم الإدارية في محاربة الفساد الإداري ـ عزل أعضاء المجالس الجماعية نموذجا”، بلغ مجموع الطلبات المسجلة أمام المحاكم الإدارية الابتدائية 362 طلبا لعزل منتخبين محليين خلال الفترة الأخيرة، ما يشير إلى تحوّل نوعي في علاقة القضاء الإداري بالحكامة الترابية.
تصدرت الدار البيضاء القائمة بـ 102 طلب، أي ما يعادل 28,18% من مجموع الطلبات، تلتها مراكش بـ 80 طلبا (22,10%). وأوضح التقرير أن هذه الأرقام المرتفعة لا تعكس فقط الكثافة السكانية أو الامتداد الترابي، بل أيضا الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل تدبير الشأن المحلي أكثر تعقيدا، وتضع المنتخبين أمام اختبار حقيقي للنزاهة والشفافية.
كما أظهرت البيانات تصاعد وتيرة هذه الطلبات، إذ ارتفعت من 49 طلبا سنة 2018 إلى 102 طلب سنة 2024، أي بنسبة قياسية تمثل حوالي 40% من المجموع العام. ويعود هذا الارتفاع إلى تفعيل القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الذي أتاح للعمال والولاة اللجوء إلى القضاء الإداري لممارسة إجراءات العزل ضد المنتخبين المتورطين في اختلالات تدبيرية أو تجاوزات قانونية.
على صعيد الأحكام القضائية، شهدت المحكمة الإدارية بدورها ارتفاعا لافتا، حيث قفزت من 41 حكما سنة 2018 إلى 108 أحكام في 2024، أي بزيادة بلغت 163,4%، مما يعكس إرادة واضحة للتعامل الحازم مع قضايا الفساد وسوء التدبير.
تفاصيل أكثر بينت أن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء استقبلت أعلى عدد من الطلبات المقدمة من طرف عمال العمالات والأقاليم، بمجموع 84 طلبا (27,81% من أصل 302 طلب على الصعيد الوطني)، مركزة في أقاليم مثل سطات وبني ملال (14 طلبا لكل منهما)، وسيدي بنور (11 طلبا)، وبنسليمان (10 طلبات)، وهو ما يعزى إلى ضعف الشفافية في تدبير المشاريع العمومية وضغط النمو الاقتصادي والسكان.
أما مراكش فاستقبلت ثاني أكبر عدد من الطلبات بـ 72 طلبا (23,84%)، وهو مرتبط وفق التقرير بتداعيات التنمية غير المتوازنة، واعتماد الجهة على قطاعات الزراعة والسياحة، بالإضافة إلى توسع عمراني غير مضبوط. وأكدت تقارير المجلس الأعلى للحسابات لعامي 2023 و2024 أن ضعف التخطيط والرقابة ساهم في تفاقم الاختلالات التدبيرية.
ورغم هذه الأرقام العالية، يبرز سؤال مهم حول انعكاسها على صورة المنتخبين وثقة المواطنين في مؤسساتهم. فرغم أنها تعكس يقظة قضائية وتفعيل آليات الرقابة، إلا أن تكرار العزلات القضائية قد يؤدي إلى اهتزاز ثقة المواطنين، ويزيد من احتمالية العزوف السياسي أو إعادة النظر في اختيار المرشحين من قبل الأحزاب.
في المقابل، فإن استمرار هذه الدينامية الرقابية بنفس الحزم يمكن أن يتحول إلى عنصر تعزيز للثقة على المدى المتوسط، من خلال توجيه رسالة واضحة بأن سوء التدبير والفساد لن يمر دون محاسبة، ما يحفز النخب السياسية على مزيد من الانضباط والمسؤولية ويعزز ثقافة حكامة ترتكز على النزاهة والشفافية.
قم بكتابة اول تعليق