
موند بريس.
التلاعب النفسي ليس مجرد حيلة عابرة، بل آلية نفسية معقدة تُمارَس بوعي أو بلا وعي، هدفها السيطرة على الآخر عبر تشويش إدراكه وتغيير مسارات تفكيره. قد يتخذ هذا التلاعب أشكالا مختلفة: من كلمات معسولة تخفي نوايا خفية إلى استراتيجيات دقيقة من “الابتزاز العاطفي” و”الإيهام بالذنب”. وفي كل الحالات يترك التلاعب بصماته العميقة على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.
يقول علماء النفس إنّ التلاعب النفسي يستند إلى قراءة هشاشات الآخر واستغلالها. فالإنسان المتلاعب يجيد البحث عن “الثغرات العاطفية” في شخصية من أمامه، سواء كانت حاجته للاعتراف، خوفه من الرفض أو عطشه للحب. هنا تتحول العلاقة من مساحة حرية إلى فضاء هيمنة ناعمة لا تُرى بسهولة، لكنها تُشعر الضحية أنها مسؤولة عن ألمها.
على المستوى السوسيولوجي يصبح التلاعب النفسي أداة سلطة غير مرئية. في الأسرة قد يستخدمه أحد الوالدين عبر جملة مثل: “لو كنتَ تحبني لما خيّبت أملي.” وفي العمل قد يظهر في شكل وعود مؤجلة أو تحفيزات زائفة. وفي العلاقات العاطفية يتجلى في لعبة شدّ وجذب تجعل الطرف الآخر رهينة الحاجة الدائمة لإرضاء شريكه. هكذا يتحول الحب أو الانتماء إلى قيد نفسي يُربك مفهوم الحرية الفردية.
أما من زاوية التحليل النفسي يمكن اعتبار التلاعب محاولة لإخفاء هشاشة المتلاعب نفسه. إنه درع دفاعي يموّه خوفه من فقدان السيطرة، فيمارس السيطرة على الآخر كي لا يُفضَح ضعفه الداخلي. لكن كما يقال: “من يُمسك بخيوط الآخرين يعيش أسيرا لقلق فقدانها.”
التأثير النفسي للتلاعب لا يُستهان به فالضحية غالبا ما تعيش حالة من التشويش الذهني (Gaslighting) تجعلها تشك حتى في حقائقها البسيطة. ومع تكرار التجربة تفقد الثقة بذاتها وتصبح أكثر عرضة للخضوع والانكسار الداخلي.
أما بيولوجيا فإن الضغوط الناتجة عن التعرض المستمر للتلاعب تؤدي إلى إفراز هرمونات التوتر، ما يفتح الباب أمام القلق، الاكتئاب واضطرابات النوم. وبذلك لا يبقى التلاعب مجرد لعبة نفسية، بل يتحول إلى عبء جسدي وذهني يرهق صاحبه.
خلاصة
التلاعب النفسي لعبة خطرة تبدأ بخيط رفيع من الكلمات وتنتهي بشباك تحاصر الوعي. كن يقظا لإشاراته: الشعور المستمر بالذنب، التشكيك في ذاتك أو التعلق المرهق بآخر يفرض عليك صورته. وتذكّر أنّ الحماية الحقيقية تبدأ من الوعي: أن ترى الخيوط الخفية قبل أن تلتف حولك.
قم بكتابة اول تعليق