
موند بريس / محمد أيت المودن
أثارت صورة يظهر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عند استقباله رئيسةَ وزراء إيطاليا، جورجيا ملوني، في مكتبه الخاص، وبجانبه خارطة المغرب مبتورة من صحرائه، امتعاض العديد من المغاربة، لاسيما أن نتانياهو نفسه أعلن قبل أسابيع قليلة الاعتراف بسيادة المملكة على الصحراء.
وتساءل محللون مغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي عن دلالات تعليق خارطة المملكة مبتورة من منطقة الصحراء داخل مكتب نتانياهو، على اعتبار أن ذلك لا يتلاءم مع قرار تل أبيب الاعتراف بمغربية الصحراء؛ بينما اعتبر آخرون أن الخارطة قديمة، وأن الموقف الإسرائيلي الجديد من نزاع الصحراء لم يتغير.
تساؤلات سياسية
تساءل معلقون مغاربة بشأن دلالات وتداعيات وجود الخارطة الكبيرة للعالم في مكتب نتانياهو، التي ظهرت فيها خارطة المغرب منقوصة من الصحراء، وهو ما يعني ـ حسب منطوق الخارطة ذاتها ـ عدم إقرار تل أبيب بسيادة المملكة على الصحراء في يوليوز الماضي.
وكان الديوان الملكي في يوليوز 2023 أعلن تلقيه رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، فحواها “قرار دولة إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء، وأيضا قيامها بإخبار الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، بهذا القرار”.
وربط البعض بين “تعمد” ظهور نتانياهو بجانب الخارطة التي يظهر فيها المغرب منقوصا من منطقة الصحراء وبين الموقف المغربي، خصوصا على المستوى الشعبي، المعارض للحرب ضد غزة، في سياق احتجاجات عارمة شهدتها عدد من مدن المملكة ترفض تطبيع الحكومة المغربية مع إسرائيل.
ودعا المغرب خلال “قمة السلام” المنعقدة في مصر إلى “حقن الدماء ووقف الاعتداءات العسكرية وتجنيب المنطقة ويلات الصراع الذي قد يقضي على ما تبقى من فرص وآمال السلام والاستقرار”، كما شدد على “ضرورة السماح بإيصال المساعدات الإنسانية بسرعة وانسيابية وبكمية كافية لساكنة قطاع غزة”.
وأبدى المغرب خلال القمة ذاتها رفضه “كل الحلول والأفكار الهادفة إلى تهجير أو ترحيل الفلسطينيين من أرضهم، وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة”، فضلا عن “الحاجة إلى إطلاق عملية سلام حقيقية تفضي إلى حل الدولتين، دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل”.
لا تغيير في السياسة الإسرائيلية
اعتبر الباحث في الشأن الإسرائيلي عبد الرحيم شهيبي أن “مسألة خارطة المغرب المبتورة في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يجب أن تُفهم على أنها تغيير في السياسة الإسرائيلية تجاه المغرب، الذي تربطه معه ‘اتفاقات أبراهام’”.
ويشرح شهيبي أن “إسرائيل في الظرفية الراهنة ليست بحاجة إلى إثارة المغرب في ما يتعلق بوحدته الترابية، بالنظر إلى الوضعية الداخلية الحالية، فهي بحاجة أكثر إلى تحييد المملكة وغيرها من الدول من التدخل في الحرب الدائرة بينها وبين ‘حماس’؛ كما أن الموقف الرسمي المغربي الحالي تجاه الأحداث يعد عاديا لا يثير قلق إسرائيل، وبالتالي فلن تنجر إلى تصعيد موقف ‘المغرب الرسمي’ أو غيره من الدول، خصوصا البلدان التي تربطها معها ‘اتفاقات أبراهام’”.
ويضيف المحلل ذاته اعتبارا ثانيا هو أن “ظهور هذه الخارطة يعد خطأ، وهي متواجدة في تلك القاعة منذ فترة طويلة ولم يكن في حسبان المسؤولين الإسرائيليين تغييرها، أو أنها قد تخلق جدلا مغربيا”، مشيرا إلى أن “أغلب الشركات العالمية المنتجة للخرائط مازالت تعتمد خارطة مغربية مبتورة، وبالتالي فإن الرباط تحتاج إلى الكثير من المرافعات لتغيير هذا الجانب”.
والنقطة الثالثة بحسب شهيبي أن “الموقف الرسمي لإسرائيل إزاء الصحراء رهين بالأمم المتحدة، إذ إن الحديث عن الاعتراف الإسرائيلي بالوحدة الترابية للمغرب مازال بروتوكوليا بين رئاسة الوزراء بإسرائيل والديوان الملكي المغربي”.
ويضيف المتحدث ذاته: “هذا الأمر مازال في بداياته ويحتاج إلى رفعه إلى ‘الكنيست’ ومناقشته من طرف النواب الإسرائيليين ليصدر القرار الرسمي حول الموضوع”، مردفا بأن “الإعلان عن الاعتراف الإسرائيلي مجرد تعبير عن النوايا، لأن نتانياهو لم يراسل بعد مجلس الأمن أو الأمم المتحدة للتعبير عن هذا التغيير في الموقف إزاء قضية الصحراء المغربية”.
وذهب الباحث ذاته إلى أن “المغرب بالنسبة لإسرائيل صديق لا يمكن أن تستعديه رغم احتجاجات الشارع المغربي إزاء الأحداث المؤلمة في الشرق الأوسط”، ليخلص إلى أن “ظهور هذه الخارطة لا يجب أن يُفهم بأنه استعداء أو رد إسرائيلي على موقف مغربي معين”.
رسائل الخارطة
استحضر محمد بن طلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مراكش، مقولة للفيلسوف الفرنسي رولان بارث في كتابه “الدرجة الصفر في الكتابة”، مفادها أنه “ليس هناك نص بريء”، باعتبار أن “كل نص يحمل في طياته حمولة إيديولوجية، وبالتالي يمكن القول أيضا إن للصور دلالات معبرة أيضا عن مواقف معينة”.
وأردف بن طلحة الدكالي بأن “الصورة تحتوي على إيصال رسالة محددة إلى الطرف الآخر، من منطلق أن كل نظام سياسي يوظف الصور، حسب توجهاته السياسية والدولية، وحسب الأحداث الآنية في الساحة الدولية”.
ويرى الأستاذ عينه أن “التحليل السيميولوجي لهذه الصورة التي تظهر خارطة المغرب مبتورة في مكتب نتانياهو يوحي بأنها ليست إخبارية وتقريرية، ولا هي وُضعت سهوا أو صدفة، بل هي رسالة إعلامية مقصودة تحمل خطابا دبلوماسيا مشفرا، ودلالات تعبيرية عما قد تعجز عنه الكلمات”.
وزاد المتحدث ذاته أن “تبرير الخارجية الإسرائيلية بكون الخارطة قديمة، وسيتم تحديثها لتناسب اعتراف تل أبيب بسيادة المملكة على الصحراء، يقابله موقف مغربي ثابت وصريح عبر التاريخ إزاء القضية الفلسطينية والدفاع عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين”.
كما لفت الدكالي إلى أن “المغرب ظل منذ عودة العلاقات مع إسرائيل سنة 2020 متمسكا بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لم ينعكس سلبا على العلاقات مع تل أبيب التي تتفهم نخبها السياسة الدور المركزي الذي يلعبه المغرب في ملف فلسطين”، خاتما: “كما أن المغرب مهيأ للعب دور الوساطة عبر دبلوماسيته الهادئة، لأن هذا النزاع يحتاج إلى محاور موثوق به لا يحمل أجندات سياسية وليست له أهداف غير السلم والأمن في المنطقة، وهي شروط تتوفر بشكل كبير في المملكة”.
قم بكتابة اول تعليق