العلاقات المغربية الفرنسية ، إلى أين ؟

  موند بريس / محمد أيت المودن

تمر العلاقات الفرنسية المغربية من حالة فتور غير مسبوقة في تاريخ البلدين، اللذان كان يعتبران شريكان تاريخيان، خاصة بعد قرار البرلمان الأوروبي الذي دعا فيه المغرب إلى “إنهاء المتابعة القضائية التي طالت عددا من الصحفيين”، ومنتقدا حرية الصحافة، الأمر الذي اعتبرته الرباط تدخلا في شؤونها الداخلية، متهمة فرنسا بالوقوف وراء هذا القرار.

 

وهكذا، اتهم لحسن حداد، رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، أنذاك “جزءا من الدولة العميقة الفرنسية” بالوقوف وراء التوصية التي أقرها البرلمان الأوروبي حول حرية الصحافة.

 

وشهدت فترة تولي الرئيس الفرنسي الحالي الحكم في فرنسا تذبذبا ومدا وجزرا في العلاقات بين البلدين، أدخلتها نفقا مسدودا.

 

كما أن التحركات التي قام، ويقوم، بها المغرب في إفريقيا لتثبيت أقدامه داخل بيته الإفريقي، أزعجت الساسة الفرنسيين، الذين أصبحوا لا ينظرون بعين الرضى لتموقع المملكة الجديد داخل القارة، ولعبها أداورا مهمة في عدد من البلدان، إضافة إلى تغيير المملكة لاستراتيجيتها في التعامل مع شركائها، والتأكيد على أن ملف الصحراء المغربية هو المنظار الذي تنظر به للخارج.

قضايا خلافية

يرى محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن العلاقات المغربية- الفرنسية خلال السنوات الأخيرة، خصوصا في عهد الرئيس ماكرون، وخاصة ولايته الأخيرة تعيش تدهورا، بدأ بأزمة صامتة ثم أحيانا تحولت إلى حملات صحافية من الطرفين.

 

وأشار نشطاوي في حديثه، إلى أن الصحافة المغربية تتهم فرنسا بكونها كانت وراء القرارات الصادرة عن البرلمان الأوروبي التي أدانت المغرب في مجال حقوق الإنسان، أو حتى فيما يتعلق بفضيحة الرشاوى داخل البرلمان الأوروبي، أو مسألة برنامج “بيغاسوس” للتجسس.

 

وسجل نشطاوي أن الإعلام الفرنسي يتهم الصحافة المغربية أو المغرب بأنه يمارس سياسة الابتزاز من خلال مشاكل الهجرة والقنب الهندي، وكذلك التعاون الأمني بين البلدين.

 

وأكد المتحدث ذاته أنه إذا عتبرنا بأن الطرفين ينفيان وجود أزمة بينهما، فارتباك السياسة الخارجية الفرنسية فيما يتعلق بضمان التوازن في علاقاتها لا مع الرباط ولا كذلك مع الجزائر، تبقى مشكلة أساسية بالنسبة للمغرب.

 

وأبرز  أستاذ العلاقات الدولية أنه في عهد الرئيسين السابقين، فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي، كانت هذه المشكلة أقل حدة، لكن مع ماكرون فهناك مشكل يتمثل في انتهازية الرئيس الفرنسي مع أزمة الطاقة العالمية.

 

انتهازية ماكرون

وشدد أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي أن هناك اصطفافا فرنسيا تقليديا نسبيا نوعا ما بالنسبة لقضية الصحراء المغربية، مردفا بالقول “لكن أظن بأن انتهازية الرئيس الفرنسي مع أزمة الطاقة العالمية، دفعت بإيمانويل ماكرون إلى تعزيز محور باريس- الجزائر على حساب محور باريس- الرباط.

 

وأضاف: “لكن لا ننسى بأن الرباط تضغط بشكل كبير على فرنسا من أجل اتخاد موقف نهائي فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، خصوصا في ظل الدينامية التي يعرفها هذا المشكل، وكذلك في ظل الاعتراف الأمريكي بالسيادة على الصحراء، والاعتراف الإسباني والألماني واعتراف عدد من البلدان الاوروبية كهولندا، بلجيكا، رومانيا وغيرها”.

 

وأبرز نشطاوي أن الرئيس الفرنسي قد اختار من مسألة تحسين العلاقات مع الجزائر إحدى أولويات سياسته الخارجية، خصوصا بعد أزمة الطاقة نتيجة العدوان الروسي أو التدخل الروسي في أوكرانيا، مؤكدا أن هذا الاختيار تطبعه الهشاشة وغياب الثقة لان دائما هناك أزمة بين فرنسا و الجزائر، بحسب تعبيره.

 

مأزق باريس

وأوضح نشطاوي أن ماكرون لم يستطع تحسين علاقاته مع الجزائر، ولا ضمان ذلك التوازن في علاقاته مع الرباط، مشددا على أن الديبلوماسية الفرنسية أصبحت تعرف معضلة حقيقية، خصوصا بعد فشلها في الحفاظ على علاقات متوازنة بين المغرب والجزائر، وعجزها عن التعامل مع هذا التوازن الهش.

 

ويرى المتحدث ذاته أن هذا الوضع أدى إلى انتكاسة للديبلوماسية الفرنسية وتراجع نفوذها خصوصا في منطقة شمال إفريقيا وكذلك في منطقة الساحل والصحراء مع الانقلابات التي عرفتها مالي وبوركينافاصو وكذلك النيجر.

 

وخلص نشطاوي إلى أن الانتكاسات المتتالية للديبلوماسية الفرنسية جعلت نفوذ باريس يتراجع في هذه المناطق أو ما يسمى بالمعاقل التقليدية، كما أن النفوذ الذي بدأت تعرفه عدد من الدول كروسيا وتركيا والهند والصين في المنطقة كرس هذا التراجع، يضيف المتحدث ذاته.

 

وأبرز المتحدث نفسه أن تآكل هذا الدور في شمال إفريقيا تبعه تآكل في أفريقيا جنوب الصحراء، الأمر الذي أحدث صدمة لدى دوائر صنع القرار في باريس التي اعتبرت هيبتها كدولة بدأت تمس، وبالتالي أصبح ذلك يشكل تراجعا في النفوذ الفرنسي في المنطقة.

 

 

 

قم بكتابة اول تعليق

اترك رد