آخر جندي عثماني بقي يحرس المسجد الأقصى حتى عام 1982 حتى توفي بعمر 93سنة.

موند بريس : ه/ قرشال

رفض تنفيذ الأوامر بالانسحاب من القدس والعودة إلى دياره (تركيا)، “لأن القدس فوق الأوامر”، وعندما سألوه بعد عقود، وهو ما زال كالطود شامخًا لم يغادر مكان حراسته، لماذا لم تعد؟، أخبرهم، “بأنه خشي أن يحزن النبي محمد -صل الله عليه وسلم-، على تركه حراسة أولى القبلتين وثالث الحرمين”.
حسن الإغْدِرلي (93 عاما)، آخر جندي عثماني غادر المسجد الأقصى، في عام 1982م، ليس إلى بلاده إنما إلى القبر، قابله مصادفة صحفي تركي يدعى إلهان بارداقجي، في المسجد الأقصى يوم الجمعة من العام 1972، فكتب حكايته تحت عنوان:
“لقد تعرفت عليه في المسجد الأقصى”.

وقال بارداقجي، أنه كان يتجول في القدس إلى أن وصل أمام باب المسجد الأقصى، رأى العريف حسن أفندي أمام الباحة الثانية، وعندما سأل عنه، قيل له إنه مجنون، وإنه هنا منذ سنوات ويقف كالتمثال، لا يسأل أحدا شيئًا، ولا ينظر إلا للمسجد، فاقترب منه وسلم عليه باللغة التركية، فحرك عينيه وأجاب بلغة أناضولية فصيحة: “وعليكم السلام يا بني”، فصعق الصحفي بإجابته بهذه اللغة، وسأله عن هويته.

وفي مفاجأة، قال العريف حسن: “حينما سقطت الدولة العثمانية، وفي سبيل عدم حصول نهب وسلب في المدينة – القدس- ترك جيشنا وحده لحين دخول الجيش الإنجليزي إلى القدس، (فمن عادة الجيوش المنتصرة أن لا تعامل مثل هذه الوحدات التابعة للجيش المنهزم معاملة الأسرى عندما تلتقي بها)، وأصررت أن أكون من أفراد هذه الوحدة ورفضت العودة إلى بلادي، مشيرًا إلى أنه العريف حسن من الفيلق الـ 20، اللواء الـ 36، الفوج الـ 8، آمر رهط الرشاش الـ11.
ويقول آخر الحراس الأتراك: “بقينا في القدس خوفًا أن يقول إخواننا في فلسطين، أن الدولة العثمانية تخلت عنا، أردنا ألا يبكي المسجد الأقصى بعد أربعة قرون، أردنا ألا يتألم سلطان الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم”.
“ولم نرض أن يستغرق العالم الإسلامي في مأتم وحزن”، يتابع العريف حسن، ويضيف: “ثم تعاقبت السنون الطويلة ومضت كلمح البصر، ورفاقي كلهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى واحدًا واحدًا، (وكان عددهم ثلاثة وخمسين رجلًا)، ولم يستطع الأعداء أن يقضوا عليهم، وإنما القدر والموت”.
يقول الصحفي التركي، لقد طلب مني العريف، أمرًا أخيرًا وأصر عليه، قال لي: ” يا بني، عندما تعود إلى الأناضول اذهب إلى قرية سنجق توكات، فهناك ضابطي النقيب مصطفى، الذي أودعني هنا حارسًا على المسجد الأقصى، ووضعه أمانة في عنقي، فقبِّل يديه نيابة عني وقل له: سيدي الضابط، إن العريف (حسن الإغْدِرلي)، رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الحارس في المسجد الأقصى، ما زال قائمًا على حراسته في المكان الذي تركته منذ ذلك اليوم، ولم يترك نوبته أبدًا، وإنه لَيرجو دعواتكم المباركة”.
وظل العريف حسن حارسا على الأقصى تاركا وطنه وأهله، وفي قلبه شجاعة ووفاء وعزة لا يعرفها إلا الشرفاء، لكن الموت الذي أخذهم واحدا تلو الآخر، أخذه في العام 1982، ليكون آخر حراس الأقصى العثمانيين.
*المصدر: الأرشيف الفلسطيني.

قم بكتابة اول تعليق

اترك رد